الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى اسم العزيز:
أيها الإخوة الأكارم؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم العزيز.
أيها الإخوة؛ هذا الاسم ورد في كثير من آيات القرآن الكريم، لعله ورد قريباً من مئة آية، من أبرز هذه الآيات:
﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)﴾
ورود اسم العزيز مقترناً بأسماء أخرى:
ورد مقترناً بأسماء أخرى:
﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)﴾
﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)﴾
العزيز الخبير.
﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)﴾
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42)﴾
﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ( 66)﴾
﴿ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)﴾
﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66)﴾
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)﴾
﴿ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)﴾
﴿ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42)﴾
وفي صحيح الجامع الصغير من حديث عائشة رضي الله عنها أن من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
(( عن عائشة أم المؤمنين: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا تضوَّر مِن اللَّيلِ قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ الواحدُ القهَّارُ ربُّ السَّمواتِ والأرضِ وما بينَهما العزيزُ الغفَّارُ. ))
معاني هذا الاسم؛ العزيز هو الغالب.
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾
لمجرد أن تتحقق جنديتك لله عز وجل فأنت الغالب، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تكون جندياً لله ولا تنتصر.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)﴾
﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ .
بطولة الإنسان أن يكون مع الغالب دائماً:
لذلك أيها الإخوة؛ إن لم ننتصر فالخطأ منا، الكرة في ملعبنا، هناك خلل في جنديتنا لله عز وجل، ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ الله عز وجل يقول في آيات كثيرة من هذه الآيات:
﴿ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)﴾
أي غلبني، فالعزيز هو الغالب، فالبطولة أن تكون مع الغالب دائماً، والخطأ المُدمّر أن تنحاز إلى المغلوب، إذا كنت مع الغالب فأنت الغالب، إذا كنت مع الله فأنت المنتصر، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟
قوة المؤمن تنبع من تطبيقه لمنهج الله عز وجل:
أيها الإخوة الكرام؛ كلمة أقولها لكم: لا تقلقوا على هذا الدين إنه دين الله، هو ينصره، ولكن لنقلق على أنفسنا.
أول معنى من معاني هذا الاسم أنه الغالب، فالبطولة أن تكون مع القوي، قوة المؤمن من توكله على الله، قوة المؤمن من اعتماده على الله، قوة المؤمن من تطبيقه لمنهج الله كثمن لنصر الله، نصر الله له ثمن، الأمور ليست بالتمنيات، التمنيات بضائع الحمقى.
﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)﴾
دقق: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ﴾ مهما دعوت الله، الله عز وجل لا يستجيب دعاء المعتدي.
﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾
إذا كان هناك عدوان، إذا كان هناك ظلم، مهما رفعت صوتك بالدعاء لن يستجاب لك، تروي بعض القصص أن ملكاً قوياً التقى بعالم جليل قال له: ادعُ الله لي؟ فقال له هذا العالم: لا تظلِم ولست بحاجة إلى دعائي، ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ العزيز هو الغالب، ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ غلبني ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ سبحانك إنه لا يَذِلّ من واليت، ولا يَعِز من عاديت.
المعنى الآخر: العزيز هو الشريف، بكل مجتمع يوجد فئة من الناس تسمى في اللغة: عِلية القوم، عزيز، صادق، كريم، أصيل، جواد، صبور، حليم، هؤلاء النخبة من الناس هم أعِزة القوم، لذلك ماذا قالت بلقيس؟
﴿ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)﴾
كلام من؟ كلام بلقيس، ماذا قال الله عز وجل: ﴿وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ إذا إنسان لم يعرف ربه لكن تكلم كلمة صحيحة يجب أن تكون خطأ؟ لا، بلقيس قبل أن تعرف الله قالت: ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً﴾ خالق السماوات والأرض قال: ﴿وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ صح، أي الانفتاح يقتضي أن تُصغي إلى كل قول، الإمام الشافعي يقول: أنا على حق وخصمي على باطل وقد أكون مخطئاً، وخصمي على باطل وأنا على حق وقد يكون مصيباً، تواضع حينما تحاور، العزيز هو الجليل والشريف.
شيء آخر؛ العزيز هو القوي:
﴿ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)﴾
أي قويناهم بثالث، إذا قلت: فلان عزيز أي قوي، والناس يحبون الأقوياء، وطبع في الإنسان أن يُحِبّ القوي، لكن من هو أقوى الأقوياء؟ خالق السماوات والأرض، من هو القوي إلى أبد الآبدين؟ خالق السماوات والأرض، إن أردت أن تكون قوياً كن مع القوي، لا تكن مع الضعيف، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، وإن أردت أن تكون أكرم الناس فاتقِ الله، وإن أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك.
الله العزيز واحد أحد فرد صمد:
الآن لو دخلنا في التفاصيل، الشيء العزيز النادر الوجود، هناك معادن عزيزة مثلاً اليورانيوم، معدن نادر، غالٍ جداً، كل شيء نادر، وجوده قليل، يسمى عزيزاً، العوام أحياناً يقول لك: مادة عزيزة، أي قليلة، لكن إذا قلنا: الله عزيز، لا مثيل له، لا ندّ له، لا نظير له، واحد أحد، فرد صمد:
﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)﴾
إذا قلت: شيء عزيز أي قليل، وجوده نادر، أما إذا قلت: الله عزيز، أي واحد أحد، فرد صمد، ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ .
﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾
﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)﴾
وكل ما خطر في بالك فالله بخلاف ذلك.
4 ـ العزيز من يحتاجه كل شيء في كل شيء:
الآن الشيء العزيز تشتد الحاجة إليه، إذا قلنا: الله عزيز-دققوا-يحتاجه كل شيء في كل شيء، الناس بحاجة إلى ملِك يوفر لهم الأمن، والحاجات، والنظام، إلى آخره، لكن أحياناً يكون هناك راعٍ بأطراف المملكة، يأكل ويشرب من هذا الذي أمامه، من حليب الغنم، ومن لحمها، وليس بحاجة إلى الملك، أي أحياناً يكون أقوى إنسان لست بحاجة إليه، لكن إذا قلنا: الله عزيز، تحتاجه النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، يحتاجه كل مخلوق لأن إمدادك من الله، لو مات الإنسان ووزناه لا ينقص ولا غرام واحد، ما الذي فقده؟ الإمداد، كان يتكلم، ويبتسم، ويضحك، ويمشي، ويجلس، ويأمر، وينهى فإذا انقطع الإمداد عنه أصبح جثة هامدة.
معنى العزيز أنه يحتاجه كل شيء في كل شيء، أبداً، إنك تبصر بالله، بإمداد الله لعينك، تسمع بالله، الكبد في الكائن الحي له خمسة آلاف وظيفة، فإذا مات الإنسان، أو ذُبح الحيوان صار الكبد طعاماً تأكله، يقول لك: سودة، كان جهازاً خطيراً جداً يقوم بخمسة آلاف وظيفة فصار قطعة لحم تؤكل.
كل إنسان بحاجة إلى الله عز وجل:
لذلك أيها الإخوة؛ إذا قلنا: الشيء عزيز أي نادر الوجود، إذا قلنا: الله عزيز واحد أحد، فرد صمد، إذا قلنا: الشيء العزيز الذي تشتد الحاجة إليه، الماء عزيز يحتاجه كل إنسان، الهواء عزيز، لكن بعض الفواكه النادرة لا نحتاج إليها، إذا شخص لم يأكل كرزاً لا يموت، يبقى يعيش، هناك آلاف الأطعمة لسنا بحاجة إليها، حاجة أساسية.
إذاً الشيء العزيز تشتد الحاجة إليه لكن الله العزيز يحتاجه كل شيء في كل شيء، أنت بحاجة إلى الله، بهذا الهواء الذي تتنفسه، القلب ينبض لو توقف انتهت الحياة، كل الأموال المنقولة وغير المنقولة تخسرها بثانية واحدة، أي الإنسان قوته، وهيمنته، وبتوهمه عظمته، ومكانته، وسيطرته، وحجمه المالي الكبير، وحجمه الإداري الكبير، منوط بضربات قلبه، فإذا توقف قلبه انتهى كل شيء، صار خبراً على الجدران.
يذهب إنسان أحياناً إلى بلاد الغرب راكب طائرة بالدرجة الأولى يرجع بنعش، يرجع بضاعة، إذا شخص أراد أن يُرجِع فقيداً له في بلاد بعيدة صار له معاملة خاصة، يحتاج إلى أوراق، ويحتاج إلى تخليص بضاعة، ويحتاج إلى ضرائب، نعش، فالإنسان يتوقف قلبه صار خبراً، صار بضاعة، يتجمد الدم بعروقه تنتهي حياته، أي أنت حياتك منوطة بسيولة دمك فقط، ولو تجمدت قطرة دم، نقطة دم كرأس الدبوس في أحد شرايين الدماغ بمكان شلل، بمكان عمى، بمكان فقد ذاكرة، كل عظمة الإنسان المتوهمة منوطة بسيولة دمه، وبدقات قلبه، وبقطر الشريان التاجي، قطره ميليمتر وربع، فإذا ضاق هذا الشريان دخل الإنسان في متاعب لا تنتهي، كل عظمة الإنسان، وهيمنته، وقوته، وحجمه المالي، والإداري، ومكانته، وثقافته، وشهاداته، ومنصبه الرفيع منوط بنمو خلاياه، فإذا نمت نمواً عشوائياً انتهى، ورم خبيث.
من قال الله تولاه الله برحمته ومن قال أنا تخلى الله عنه:
الذي يقول: أنا، أحمق، قل: الله، إن قلت: الله، تولاك الله، وإن قلت: أنا، تخلى الله عنك، حينما توهم الصحابة الكرام وهم نخبة البشر، وفيهم سيد البشر أنهم لن يغلبوا من قلة في حنين غُلِبوا.
﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾
معرفة الإنسان لله عز وجل ليست مطلقة لأنه لا يعرف الله إلا الله:
إذاً العزيز الواحد الأحد، الفرد الصمد، العزيز يحتاجه كل شيء في كل شيء، العزيز الشيء العزيز يصعُب الوصول إليه، أي أنت ممكن تزور أي مكان، أما قصر الملك يحتاج موافقات مسبقة، ليس من السهل أن تدخل هذا القصر، فالقصر شيء عزيز، لأنه يصعب الوصول إليه، أما إذا قلنا: الله عزيز، يستحيل أن تحيط به.
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)﴾
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾
لكن كاستثناء دقيق يمكن أن تصل إليه عبادة، يمكن أن تعرفه معرفة محدودة، يمكن أن تعبده، يمكن أن تطيعه، يمكن أن تتصل به، أما أن تحيط به مستحيل، لا يعرف الله إلا الله، حتى سيد الأنبياء والمرسلين معرفته ليست مطلقة، لا يعرف الله إلا الله، فإذا قلنا: الله عزيز واحد أحد، فرد صمد، وإذا قلنا: الله عزيز، يحتاجه كل شيء في كل شيء، وإذا قلنا: الله عزيز، يستحيل أن تحيط به.
بطولة المؤمن أنه يختار هدفاً لا نهائياً لا هدفاً محدوداً:
لذلك الإنسان يكون شاباً حتى في المئة، إذا اختار أن يعرف الله، الله لا نهائي، أما إذا اختار شيئاً دنيوياً، ووصل إليه، وأحاط به، انتهت حياته، حياته صارت مملة، بطولة المؤمن أنه اختار هدفاً لا نهائياً، في شباب دائم، أقسم لكم بالله المؤمن شاب في التسعين، طبعاً هناك ضعف بجسمه، هناك ضعف ببصره، لكن همته همة شباب، لأن هدفه كبير، وأنت لا تسعد إلا إذا اخترت هدفاً يتناسب مع بنيتك، أنت مصمم لتعرف الله، أنت مولف، مُصَمم، مبرمج، مفطور، من أجل أن تعرف الله، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، فإن اخترت هدفاً آخر غير الله، محدود، انظر لإنسان وصل إلى طموحاته الكبرى مالياً، تجده في ملل، يقول لك: شيء مألوف، ولحكمة بالغة بالغةٍ بالغة لم يشأ ربنا جلّ جلاله أن يجعل الدنيا تُمدّك بمتعة مستمرة، متعة متناقصة، أبداً، أي شيء كنت بحاجة إليه أو تطمح إليه بعد أن تصل إليه يصبح شيئاً عادياً، أوضح شيء الزواج، الذي لم يتزوج يظن الزواج شيئاً غير معقول، بعد الزواج شيء عادي جداً، الله عز وجل أبى أن يجعل الدنيا تُمِدّ الإنسان بمتعة مستمرة بل متعة متناقصة، وإذا فيها معصية متعة متناقصة مع كآبة.
التفكر في الكون أحد طرق معرفة العزيز:
أيها الإخوة؛ الآن الشيء العزيز يَقِلّ وجوده، وتشتد الحاجة إليه، ويصعُب الوصول إليه، كلما كَثُر وجوده قلّت عزته، وكلما قلّت الحاجة إليه قلّت عزته، وكلما سَهُل الوصول إليه قلّت عزته، الآن: كلما قلّ وجود الشيء حتى صار واحداً، وكلما اشتدت الحاجة إليه حتى احتاجه كل شيء في كل شيء، وكلما صَعُب الوصول إليه حتى أصبح مستحيلاً إنه الله، عزيز حكيم.
أيها الإخوة؛ التفكر في الكون أحد طرق معرفة العزيز، نحن من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب عدا الشمس نحتاج لأربع سنوات ضوئية، كي أترجم لكم هذه المسافة بلغة الواقع: لو كان هناك مركبة أرضية سيارة، وكان هناك طريق لهذا النجم، نحتاج إلى خمسين مليون عام قيادة، كل تاريخ البشر عشرة آلاف سنة، تاريخ البشرية كلهم، خمسون مليون عام نقود مركبة إلى أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض، نجم القطب أربعة آلاف سنة، المرأة المسلسلة مليونا سنة ضوئية، نجم اكتشف حديثاً أربعة وعشرون مليار سنة ضوئية، هذا جزء من الكون، وحتى هذه الساعة لا يزال الكون لا نهائياً، أحدث نجم اكتشف بعده عنا أربعة وعشرون مليار سنة، أي أربعة وعشرون ألف مليون سنة ضوئية، الأربع سنوات ضوئية تحتاج إلى خمسين مليون عام قيادة مركبة، متى نصل إلى أربعة وعشرين ملياراً؟ إذا كان هذا خلق الله فكيف عظمة الله عز وجل؟ إذاً معنى الله عزيز أي هنيئاً لمن عرفه، والويل ثم الويل لمن غفل عنه.
إخواننا الكرام؛ الذي يحدث أنه يوجد بالإنسان شهوات، لو أردنا أن نوضح هذه الفكرة؛ لو أن شهواته أعطيناها وحدات وزن، عشرة كيلو، حضر درساً شَكَّل عشرة غرامات قناعة أن الله حق، درس ثانٍ عشرة، درس ثالث عشرة، تبقى هذه العشرات لا توازي العشرة كيلو إلى أن يطلب العلم طلباً حثيثاً، إلى أن يتفكر في خلق السماوات والأرض، إلى أن يعرف الله تماماً تصبح قناعاته عشرة كيلو، صار هناك صراع، فإذا تابع طلب العلم صار مستحيلاً وألف ألف مستحيل أن يعصي الله، الإنسان يعصي ربه من ضعف معرفته به، لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت، بقدر معرفتك بالله تطيعه، بقدر خشيتك له تطيعه، فأي إنسان يرتكب مخالفة لضعف معرفته بالله، وأصل الدين معرفة الله، لذلك:
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)﴾
ففُهم من هذه الآية أن طريق معرفة قدْر الله عز وجل، أن طريق تقدير الله حقّ قدره التفكر في خلق السماوات والأرض.
من دعا مع الله إلهاً آخر عُذب عذاباً شديداً في الدنيا والآخرة:
أختم هذا اللقاء الطيب بهذه الآية، دقق:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾
الإله الآخر شهوتك أحياناً، الإله الآخر إنسان قوي تتوهم أن بيده الأمر، الإله الآخر إنسان قوي تتوهم أن سلامتك بالانبطاح أمامه، كما يجري، تتوهم أحياناً أن سلامتك أن تواليه مثلاً، الله قال: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾ أحد أكبر أسباب العذاب النفسي أن تدعو مع الله إلهاً آخر.
﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216)﴾
معرفة اسم العزيز تجعل الإنسان عزيزاً غنياً وقوياً:
الآن دقق:
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)﴾
القوي، الذي إذا كنت معه كنت الغالب، الذي إذا كنت معه كنت المنتصر، الذي إذا كنت معه كنت عزيزاً.
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)﴾
أيها الإخوة؛ معرفة اسم العزيز تجعلك عزيزاً، معرفة اسم العزيز تجعلك غنياً، تجعلك قوياً، تجعلك حراً، أبياً، إن أردت أن تكون عزيزاً فكن مع العزيز، سبحانك إنه لا يَذِلّ من واليت، ولا يَعِز من عاديت.
الملف مدقق